شجرة الجُمَّيْزِ.

[فايزة فرحات]

شجرة الفيكس سيكوموروس:
- - - - - - - - - - - - - - -
بقلم : د. عماد هلال
- - - - - - - - - - - - - - -
اسمٌ غريبٌ! أليس كذلك؟
لكن تُرى هل لو كتبت اسمها العربي ستعرفونها؟
إنها شجرة الجُمَّيْزِ.
لا يعرفها إلا من جاوز الأربعين ممن عاشوا في الريف المصري، أو جاوز السبعين ممن عاشوا في المدينة، أنا لن أحدثكم عن فوائدها الكثيرة كعلاج أمراض الضغط والسكر والإسقربوط والصدفية والقوباء ولسعات العقارب والثعابين، وأمراض الكبد والنزلات المعوية والتهابات اللثة وألم الطحال والإمساك وغيرها الكثير.
إنما أنا سوف أحدثكم عن تراث شجرة الجميز في مصر.
إنها شجرة مصرية خالصة، منها صنع الفراعنةُ السفنَ والعجلات الحربية وآلات الري كالطنبور والساقية، ومقابض الآلات الزراعية كالفأس ونحوها، ومنها صنعوا توابيت الموتى وصناديق الثياب (الدواليب)، ورسموها على جدران مقابرهم ووضعوا ثمارها في سلال داخل مقابر الملوك.
لقد ظلت شجرة الجميز تعانق التاريخ المصري بكل عصوره، فكانت ثمارها طعامُ الفقيرِ وحلوى الغني، وفروعها الظل الوارِف للفلاح عندما يجلس ليستريح، وعلاج المريض والجريح، يأكل ثمرتها طازجة أو يعصرها أو يطبخها، أو يجرح لحاءها فيسيل لبنها مرهمًا وبلسمًا.
لقد اهتم كل حكام مصر بزراعتها واستثمارها، فكانوا يزرعونها على جوانب الترع وفي حدائق القصور، ولأنها كانت شجرة مُعمرة فكانوا يتخذونها علامةً للحدود بين الحقول، فتجد سجلات المحاكم تذكر أن الحد الفاصل بين أرض فلان وأرض فلان شجرة الجميز المعروفة للطرفين، وعندما شق محمد علي باشا شارع شبرا غرس أشجار الجميز على جانبيه، وكانت أشجار الجميز تزين كورنيش النيل حتى وقتٍ قريب، ثم استبدلت بأشجار اللبخ، ثم أزيلت هذه الأخيرة وأصبح الكورنيش عاريا.
أين نحن من تراث شجرة الجميز؟ وأين وزارات الثقافة والآثار والزراعة، إن شجرة الجميز تستحق مُتْحفًا ومَعْرضًا وأغنيةً وعِيْدًا سَنويًّا ومهرجانًا شِعْريًّا.
لقد كانت بمصر مئات الآلاف من أشجار الجميز، فلم يبق منها اليوم إلا بضع عشرات تستعد المعاول لإبادتها، فهل يمكننا توثيقها والمحافظة عليها؟ ألا يجب على وزارة الآثار تسجيل كل شجرة تجاوز عمرها مئة عام كما تفعل مع البيوت والعمائر؟
لقد تخلينا عن شجرة الجميز وأزلنا كل ما يربطنا بها، كما هي عادتنا في التخلي عن التراث الحقيقي، لقد أصبح تراث بلدي نَسْيًا منسيًّا، وأصبحت كلمة (بلدي) علامةً للتخلف عند بعض مُدَّعِي المدنية. اللهم إني أشهدك أني أحب بلدي وكل ما يحمل كلمة (بلدي) كالسمنة البلدي والجلابية البلدي والبنت البلدي والأخلاق البلدي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
د . عماد هلال ..
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، و محقق للتراث

https://scontent-cai1-1.xx.fbcdn.net...54&oe=5986CB98

[د/ هشام الطيب]

https://www.facebook.com/hesham.elta...57657956166628